مزامير الطريد مادا تعرف عنها ؟
هناك سبعة مزامير أطلق عليها القديس أغسطينوس اسم مزامير الطريد هي مزامير 142,57,56,54,52,34,7 كتبها داود أثناء هروبه من مطاردات الملك شاول له ,متنقلا من بلد إلي بلد ومن كهف إلي كهف,وحتي إلي بلاد الفلسطينيين . كتب داود هذا المزمور ترنيمة شكر احتفالا بعناية الرب بكل الذين يتقونه,دعا فيه سامعيه إلي حياة مخافة الرب التي تمنحهم البركة . وقد كتبه بعد أن هرب من وجه الملك شاول إلي جت إحدي خمس عواصم للفلسطينين هي: غزة وأشدود وأشقلون وعقرو وجت,فقال مستشارو الملك أبيمالك ملك جت له إن داود هو الذي قتل جليات وإنه الملك القادم لبني إسرائيل,فتضايق الملك . وأحس داود بالخطر ,فتظاهر بالجنون وأخذ يخربش الباب ويسيل ريقه علي لحيته وصدق ملك جت أن داود مجنون فطرده ولم يقتله ,فهرب داود ليختبئ في كهف عدلام 1صم 22,21 حيث اجتمع حوله أربعمائة رجل من المتضايقين,وكان داود رئيسا عليهم . بمناسبة هذه النجاة كتب داود هذا المزمور ترنيمة شكر بدأه بقوله :أبارك الرب في كل حين . دائما تسبيحه في فمي .
وقد يتساءل البعض:لماذا ورد اسم جت أخيش في سفر صموئيل الأول بينما جاء في عنوان المزمور أبيمالك؟ والإجابة :إن اسم الملك الشخصي هو أخيش أما لقبه الرسمي فهو أبيمالك بمعني أب الملك وهو لقب لملوك الفلسطينيين كما كانوا يلقبون ملك مصر فرعون وملك عماليق أجاج بالإضافة إلي اسم الملك الشخصي .
ولقد كتب داود مزمورا آخر لهذه المناسبة هو مزمور 56 افتتحه بقوله :ارحمني يا الله لأن الإنسان يتهمني واليوم كله محاربا يضايقني واختتمه بقوله :لأنك نجيت نفسي من الموت نعم رجلي من الزلق لكي أسير قدام الله في نور الأحياء فالنجاة الإلهية من نصيب الذين يحبون الله الذين يريدون أنيطيعوه .
وهذا المزمور هو ثالث المزامير الأبجدية ,تبدأ كل آية فيه بأحد حروف الأبجدية العبرية ما عدا حرف الواو سبقه مزمورا 9, . 25وقد اختارته الكنيسة للقراءة أثناء التناول المقدس لأن آية 8 فيه تقول ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبي للرجل المتكل عليه .
يبدأ هذا المزمور بتسبيحة شكر آيات 110 تدعونا للتسبيح:
( أ ) بتلقائية وحماسة تهتف أبارك الرب آية 1أ . ذكر المرنم الخطر العظيم الذي كان يهدده أثناء وجوده في قصر الملك أخيش,وكيف نجا الرب منه لقد كان الخطر مفاجأة غير متوقعة كما كانت النجاة غير متوقعة ,ففاض قلبه بالشكر لله .
( ب ) وبتسبيح مستمر:في كل حين .. دائما ( آية 1ب ) . لم يعد الملك شاول يحتمل وجود داود حيا فهرب إلي أخيش الذي لم يحتمل أن يراه أيضا . ولكن الله ابتسم لداود ابتسامة الرضا وأنقذه من الموت ,فقرر أن يقضي كل ما تبقي من عمره في تسبيح الله . سعيد هو المؤمن الفرحان الشاكر ,الذي تظهر تقواه في ترتيله في أيام المرض كما في أيام الصحة وفي أوقات الفشل كما في أوقات النجاح .
( ج ) وبتسبيح سري وعلني : تسبيحه في فمي . بالرب تفتخر نفسي آيتا 1ج ,2أ لسانه يسبح وقلبه أيضا يسبح ,إنه يفتخر بالرب لم يفتخر بذكائه في ادعاء الجنون الذي انطلي علي أبيمالك ,ولا أفتخر بالأمور الأرضية ,ولا بتهنئة الذات بالنجاة بل بالرب الذي قال :لا يفتخرن الحكيم بحكمته ,ولا يفتخر الجبار بجبروته,ولا يفتخر الغني بغناه . بل بهذا ليفتخرن المفتخر: بأنه يفهم ويعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الأرض إر 9:24,23 فلنفتخر بشخص الرب ,وبمواعيده,وبأمانته,وبمعجزاته .
( د ) وبتسبيح يؤثر في سامعيه:يسمع الودعاء فيفرحون . عظموا الرب معي ولنعل اسمه معا آيتا 2ب,3 لقد سمع الودعاء دعوته فرتلوا معه . الوديع هو الذي تعلم التواضع في مدرسة الألم,فعظم الرب مع داود,اعترافا بفضل الله وبعظمة نعمته,ونادي أعطوا عظمة لإلهنا تث 32 :3 . عظيم هو الرب وحميد جدا,وليس لعظمته استقصاء مز 145:3 وكلما شعرنا بعظمة الرب دعونا غيرنا ليشترك معنا في تسبيحه .
2 وينتقل المرنم من الدعوة لتسبيح الرب إلي الحديث عن دوافع هذا التسبيح:آيات 410 فليست النجاة المعجزية من نصيب داود وحده,لكنها لكل الذين يتكلون علي الله ,فهو رب العالمين . ويذكر المرنم أربعة دوافع للتسبيح:
( أ ) النجاة العظيمة:طلبت إلي الرب فاستجاب لي ,ومن كل مخاوفي أنقذني ( آية 4 ) . كان خائفا من شاول كثيرا ومن أخيش قليلا ولكن هذا القليل صار كثيرا غير أن الرب أنقذه من الخوفين الكبير والصغير! يتعرض الخاطئ والمؤمن للأخطار وغالبا تكون أخطار الخاطئ أقل من أخطار المؤمن,لأن إبليس رئيس هذا العالم يساند الخاطئ,لكن الخاطئ يحيا في خوف أكبر لأنه يعلم أن الله ليس معه,أما المؤمن فيطلب الرب فيستجيب له ,ومن كل مخاوفه ينقذه . إن يد الله القادرة تصل إلينا في أعمق هوة نسقط فيها ,وعندما ندعوه من كل قلوبنا يستجيب لنا .
( ب ) الأيام المشرقة القادمة : نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل . هذا المسكين صرخ والرب استمعه,ومن كل ضيقاته خلصه آيتا 6,5 . النظر إلي العالم يصيب الإنسان بالاكتئاب . يكفي أن تقرأ الصفحة الأولي من أية جريدة لتري الشر والكراهية واليأس . أما من ينظر إلي الرب فترتفع معنوياته كما ارتفعت معنويات حنة بعد صلاتها,ولم يكن وجهها بعد مغيرا 1صم 1:18 . لقد تطلع الذين لدغتهم الحيات إلي الحية النحاسية,فنالوا الشفاء من السم المميت عد 21:9 . وترمز الحية إلي المسيح المخلص من سم الخطية يو 3:14 16 . ولذلك يقول المؤمن : إليك رفعت عيني ياساكنا في السماوات . هوذا كما أن عيون العبيد نحو أيدي سادتهم,كما أن عيني الجارية نحو سيدتها ,هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتي يترأف علينا مز 123:2,1 . إنه يستنير لأنه يطيع أمر الرب الذي قال للمؤمنين: قومي استنيري لأنه قد جاء نورك,ومجد الرب أشرق عليك إش 60:1 . عندما رأي موسي مجد الرب لمع وجهه خر 34:30 . ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف ,كما في مرآة نتغير إلي تلك الصورة عينها,من مجد إلي مجد كما من الرب الروح 2كو 3:18 .
( ج ) الحماية الملائكية:ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم آية 7 . ويسميه ملاك حضرته في القول : في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم . بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة إش 63:9 . هذا الملاك ينجي خائفي الله وكأنه جيش ويسميه أيضا رئيس جند الرب يش 5:14 القادم في جيش ملائكة للحماية,كما حدث مع يعقوب أبي الأسباط فقد لاقاه ملائكة الله ,فقال لما رآهم :هذا جيش الله ودعا اسم المكان محنايم بمعني معسكران تك 32:2 . وكما حدث مع غلام النبي أليشع الذي كان خائفا من الأعداء ,فصلي النبي :يارب افتح عينيه فيبصر فرأي الغلام الجبل مملوءا خيلا ومركبات نار حول أليشع 2مل 6:16 .
ينجينا الله من ضيقات نعرفها ونصرخ إليه منها,فنشكره . وينجينا من ضيقات لا نعرفها ,ولم نكن نعلم أنها قادمة علينا ,لأنه في محبته يستر الخطر عن عيوننا حتي لا نقلق .