اتبع المسيح في حياته على الأرض عدد قليل من اليهود هم تلاميذته، وبعد نهاية مرحلة وجود المسيح على الأرض شهدت المسيحية تحول أكبر أعدائها اليهودي المعروف باسم شاول الطرسوسي نسبة إلى مدينة طرسوس واعتناقه المسيحية ليصبح اسمه بولس (الرسول) بعد الرؤيا، وانطلق من دمشق بعد ملاحقته من قبل الرومان واتجه إلى أوروبا، وتحول إلى أهم ناشري المسيحية، ونشر المسيحية بين الأمم (الرومان) وغيرهم(الجرمان والأغريق) وبينما عمل بطرس على نشر المسيحية بين اليهود تعرضت المسيحية للاضطهاد من عشرة قياصرة رومان أذاقوا المسيحيين العذاب ألوانا، ولكن بعد أن تحول قسطنطين عن الوثنية إلى المسيحية أصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية، وتحولت المسيحية في الغرب عندها إلى ديانة دولة وأصبحت (ديانة) مستقلة ولكن بقيت العديد من الكنائس الشرقية والإصلاحية فيما بعد بعيدة عن تأثير روما وتعرضت هذه الكنائس أيضا للاضطهاد على يد الكنيسة الغربية (الرومانية).
مسيحية مبكرة
المسيحية المبكرة، مصطلح يشير إلى المسيحية في الفترة التي أعقبت موت يسوع المسيح، من 33م بحسب التقليد الكنسي، حتى عام 325متاريخ انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول، ويستخدم هذا المصطلح في أحيانا أخرى لتضييق تلك الفترة، فتشمل فقط الكنيسة المسيحية الأولى التي ضمت تلاميذ المسيح الأولين ومعاصريهم ومن خلفهم مباشرة.
وفي القرون الأولى انشقت المسيحية عن اليهودية بشكل نهائي فعاشت الكنيسة بذلك العهد الجديد، ووجب على المسيحيين الدفاع عن معتقداتهم في مواجهة الأديان الأخرى التي كانت منتشرة في الإمبراطورية الرومانية. وعاشوا إضافة إلى ذلك الكثير من الاضطهادات التي أثارها الأباطرة الرومان على أتباع هذه الديانة الجديدة.
وفي عام 312م، إعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية. وحوالي 70 عامًا بعد ذلك، وخلال حكم ثيودوس أصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية. وفي عام 400م أصبحت كلمة روماني أو مسيحي تحمل نفس المعنى.
وبعد قسطنطين، لم يتم إضطهاد المسيحيين بل تمّ اضطهاد "غير المؤمنين" إن لم يتحولوا للمسيحية، وهذا العنف والإكراه أرغم الكثير على اعتناق المسيحية بدون إيمان حقيقي بالمسيح. ودخل هؤلاء المسيحية بتقاليدهم العتيقة وممارساتهم وبهذا تغير شكل الكنيسة، فأصبح هناك طقوس كثيرة ومعمار باهظ الثمن، وأيقونات عبادية، وغيرها من العادات التي أضيفت إلى بساطة عبادة الكنيسة الأولى. وفي نفس الوقت بدأ بعض المسيحيون بالابتعاد عن روما واختاروا الحياة كرهبان وبدؤوا بتعميد الصغار لغسِل الخطيئة الأصليّة.
القرون الوسطى
وفي السنوات التي لحقت ذلك، عقدت المجامع الكنسية لمحاولة تحديد العقيدة الرسمية، وذلك للحد من انتهاكات القيادة الكنسية ولتعضيد السلام ما بين الجهات المتصارعة. وبضعف الإمبراطورية الرومانية، ازدادت قوة الكنيسة، ونشأت صراعات متعددة ما بين كنائس الشرق والغرب. فالكنائس الغربية الكاثوليكية، مقرها الرئيسي في روما، أعطت نفسها سلطة على الكنائس الأخرى. ودعا أسقف روما نفسه "البابا". وهذا لم يسر كنائس الشرق (اليونانية)، والتي كان مقرها في القسطنطينية. واندلعت انشقاقات دينية وسياسية ولغويّة إلى أن حدث الانشقاق العظيم في عام 1054م، حيث قطعت الكنائس الرومانية الكاثوليكية كل علاقاتها مع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية.
خلال القرون الوسطى وفي أثنائها واصلت المسيحية انتشارها فبلغت شمال أوروبا وروسيا. في القرنالسابع الميلادي وما بعده ، غزا المسلمون الأراضي المسيحية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجزء كبير من إسبانيا، مما أدّى إلى اضطهاد المسيحيين ونتج عن ذلك العديد من الصراعات العسكرية، بما فيها الحروب الصليبية، وحروب الاسترداد في إسبانيا ضد المسلمين.
في عام 1095م بدأت الحملات الصليبية أو ما يسمى أيضا بالحروب الصليبية وهي بصفة عامة اسم يطلق حاليًا على مجموعة من الحملات والحروب التي قام بها أوروبيون في أواخر القرنالحادي عشر الميلادي إلى الثلث الأخير من القرنالثالث عشر الميلادي (1096م - 1291م)، وكانت بشكل رئيسي حروب فرسان، وسميت بهذا الاسم لأن الذين اشتركوا فيها تواروا تحت رداء الدين المسيحي وشعار الصليب من أجل الدفاع عنه رغم أن هدفهم الرئيسي كان الاستيلاء على أرض المشرق في الوقت الذي كان فيه الشرق منبع للثروات ولذلك كانوا يضعون على ألبستهم على الصدر والأكتاف علامة الصليب من قماش أحمر.
وكانت الحروب الصليبية هي السبب الرئيسي في سقوط البيزنطيين وذللك بسبب الدمار الذي كانت تخلفه الحملات الأولى المارة في بيزنطة (مدينة القسطنطينية) عاصمة الإمبراطورية البيزنطية وتحوّل حملات لاحقة نحوها، وكانت هذه الحروب عبارة عن سلسلة من الصراعات العسكرية من الطابع الديني الذي خاضه الكثير من أوروبا المسيحية ضد التهديدات الخارجية والداخلية. وقد كانت الحروب الصليبية موجهة ضد المسلمين والوثنيين من الأصل السلافي وضد المسيحية الروسية والأرثوذكسية اليونانية والمغول والأعداء السياسيين للباباوات. وقام الصليبيون بأخذ الوعود ومنح التساهل.
هدف الحروب الصليبية في الأصل كان إسترداد القدس والأراضي المقدسة في الشام من المسلمين، وكانت القاعدة التي أطلقت في الأصل استجابة لدعوة الإمبراطورية البيزنطيةالأرثوذكسية الشرقية وذلك للمساعدة في التوسع ضد المسلمين، سلاجقة الأناضول. في الغرب، من القرنالحادي عشر الميلادي فصاعداً، أقيمت قُرب الكاتدرائيات القديمة المستشفيات، المدارس والجامعات (مثل جامعة باريس وجامعة أوكسفورد وجامعة بولونيا). التي كانت أصلاً تُدَرِّسْ اللاهوت فقط، وأًضِيفَت فيما بعد مواضيع أخرى بما فيها الطب والفلسفة والقانون، وهكذا كانت المؤسسات الكنسيّة النواة الأساسيّة لمؤسسات التعليم الغربي.
خلال العصور الوسطى في أوروبا إسْتمرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في تولي السلطة، وتولى الآباء إدارة كل أمور الحياة في الدولة وكأنهم ملوك، ولكن في عام 1517م وقف راهب ألماني أسمه مارتن لوثر أمام الكنيسة الكاثوليكية. وتزّعم مارتن لوثر حركة الإصلاح البروتستانتي، وتعدّد الإصلاحيون من بعده مثل كلفن وزوينجلي واختلفوا على نقاط لاهوتية معينة ولكنهم أتفقوا على سلطة الكتاب المقدس وعلى أن الخطاة يتلقون الفداء بالنعمة من خلال الإيمان بيسوع المسيح وحده (أفسس 8:2-9). ونجد أن حركة الإصلاح جرّدت الكنيسة الكاثوليكية من السلطة بالرغم من استمرار كينونتها وأندلعت الكثير من الحروب بين الكنيسة البروتستانتية والكاثوليكية مثل حرب الثلاثين عاما.
عصر التبشير
ومع قدوم عصور الانفتاح والاستكشاف إنتشرت المسيحية في جميع أنحاء الأرض، حتى أصبحت أكبر أديان العالم من حيث عدد أتباعها. شَهَدت المسيحية من عام 1790م إلى 1900م، اهتماماً كبيراً بالعمل التبشيري، وخصوصاً في القرنالتاسع عشر الميلادي مع إنشاء البعثات الكاثوليكية والبروتستانتية، والذي إرتبط أيضاً بالاستعمار، حيث نشط المُرسلون في التبشير في جميع القارات خاصةً أفريقيا والشرق الأقصى. وبالنهضة الصناعيّة توفّرت المصادر المالية التي من خلالها مول الأفراد المبشرين وظهر الاحتياج الشديد لنشر الإنجيل. وذهب المبشرون إلى أقاصي الأرض وأُسِسَّتْ الكنائس في كل مكان.
العصر الحديث
في العصر الحديث، والمسيحية في مواجهة أشكال مختلفة من المذاهب المُشَكِكّة، وبعض المذاهب السياسية الحديثة مثل الليبرالية والقومية والاشتراكية. ظهور هذه المذاهب سبَبّت ثورة واحداث عنيفة موجهة ضد نفوذ الكنيسة ورجال الدين المسيحي فكرياً مع عصر التنوير أو أعمال عنف مثل الانفجارات العنيفة ضد الكنيسة خلال الثورة الفرنسية، أو مكافحة الإكليروسية إبّان الحرب الأهلية الإسبانية، وحركات العداء الماركسية والشيوعية للمسيحية التي ظهرت بعد الثورة الروسية.
الالتزام المسيحي في أوروبا إنخفض بسبب الحداثة والعلمانية خاصةً في غرب أوروبا ، في حين أن الالتزام الديني في أمريكا عموماً مرتفع بالمقارنة مع أوروبا الغربية. بينما في أوروبا الشرقية، وبعد قرون من جثوم الشيوعية ومبادئ الإلحاد على عموم أوروبا الشرقية، فنجد أن الناس بدؤوا بالإقبال على الحياة الكنسية ومزاولة الطقوس المسيحية في الكنائس وإعادة بناء أو ترميم الكنائس المهترءة. في أواخر القرن 20 ظهر تحوّل في المسيحية حيثُ أنّ العالم الثالث والنصف الجنوبي من الكرة الأرضية بشكل عام، شهد إقبال على المسيحية، فالكنيسة تنمو بسرعة في شرق آسيا خاصة في الصين وكوريا الجنوبية وتنمو بإطراد في شمال أفريقيا أيضاً وبسبب ارتفاع المواليد في أمريكا الجنوبية، مع عصر المعلومات والإنترنت أصبحت معرفة الديانات ومنها المسيحية متاحاً بعكس ما كان الحال عليه سابق عدد معتنقي المسيحية وكذلك بصورة كبيرة جدا عدد الذين عادوا للمسيحية خاصة في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. لم يَعُد الغرب يحمل لواء المسيحية، حيث مع انتشار المسيحية في العالم الثالث يُتَوَقع أن يصبح قلب ومركز المسيحية في العالم الثالث، وتشهد المنطقة غيرة على نشر العقيدة المسيحية، خصوصاً بين المعتنقين الجُدد.
منقول للامانه