يسوع العجيب
ويُدعى اسمه عجيباً
(إشعياء 6:9
عجيب هو المسيح فعلاً. والعجيب هو المتميز والمختلف عن غيره. والعجيب هو الذي يثير الدهشة... فقد قال الوحي: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية" (إشعياء 14:7). وهذه الآية هي آية المسيح العجيب. فقد دخل المسيح عالمنا من باب لم يدخل منه أحد سواه، وعاش على أرضنا كما لم يعش غيره، وعلّم أسمى التعاليم... قدم لنا من تعليمه مثالاً حياً من حياته، بل وأكثر من ذلك، وهبنا إمكانية أن يدخل قلوبنا لنتمكن بنعمته من أن نحقق ما علّمه لنا، "ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة"
(يوحنا 16:1).
المسيح عجيب فعلاً حتى في مغادرته أرضنا، فهو قد غادر أرضنا بطريقة لم يغادرها به أحد سواه. هو الذي مات من أجلنا وارتفع إلى يمين العظمة في الأعالي،
"ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم"
(أعمال 9:1).
نقرأ في إنجيل يوحنا عن هذا العجيب، ولأنه عجيب كان يجب أن يسبقه في مجيئه من يخبر عن قدومه للعالم، ولذلك جاء يوحنا المعمدان بطريقة معجزية أيضاً، وكانت مهمته هي إعلان مجيء المسيح وتهيئة الطريق قدامه. وقد عاش يوحنا المعمدان في البرية بعيداً عن الناس يأكل عسلاً، وينادي برسالة التوبة، وقد أعلن المعمدان قائلاً: "هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحلّ سيور حذائه... هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم"
(يوحنا 27:1 و29).
وإذ نتبع المسيح من خلال أصحاحات إنجيل يوحنا، فنقرأ في الأصحاح الثاني أنه شارك الناس أفراحهم.. إذ حضر عرس قانا الجليل، وفي حضوره أفرح الموجودين وسدد إعوازهم. وفي الأصحاح الثالث نقرأ عن لقائه بنيقوديموس، الرجل المتدين الذي وجّه إليه المسيح كلاماً ما زال يوجهه لكل متدين مثل نيقوديموس. إنه يقول لنا تحتاجون إلى ميلاد جديد، وإلى صلة شخصية بالرب لأنه "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة"
(2كورنثوس 17:5).
وهو في الأصحاح الرابع يقابل "السامرية" التي يعوزها التبرير والتدين معاً. السامرية العطشى إلى شيء لا يمكن أن يرويه إلا يسوع.
وفي الأصحاح الخامس من يوحنا نراه يقيم الرجل الذي رقد على فراشه لمدة ثمان وثلاثين سنة، لم يعاونه أحد وكأنه نموذج للبشر الذين لا يستطيعون أن يساعدوا أنفسهم، ولا يجدون في غيرهم من البشر من يساعدهم.
عجيب في حبه
المسيح عجيب في حبه وشفقته وتحننه، فهو إله الحب المتجسد. نرى المسيح العجيب يشبع الجياع الذين لا يشبعهم أحد. والمدهش حقاً أن المسيح الحي لا زال إلى اليوم يؤدي ذات المعجزات. فهو يسدد الاحتياج ويشفي المرضى، ويعطي الخلاص، ويستر الخطية، ويبارك الحياة، وباسمه تُجرى المعجزات.
عجيب في اختياره
كنا نحسب المسيح يطلب ذوي النفوذ، وكنا نظنه يقصد الأقوياء، لأنه قوي. ألم يُسكت الرياح بكلمة؟ ألم يقم الميت بكلمة؟ لكنه يطلب الجميع. ويقول بولس الرسول: "فانظروا دعوتكم أيها الإخوة، أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد. ليس كثيرون أقوياء. ليس كثيرون شرفاء. بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء"
(1كورنثوس 26:1-27).
إننا نشكر الله من أجل العظماء الذين جاءوا إلى المسيح، ومن أجل العلماء والشرفاء والأقوياء، لكن لو أن الرسالة كانت قاصرة عليهم، لحرم عامة الناس منها. غير أن هذه الدعوة موجهة إلى الكل... اتهمه الرؤساء اليهود بأنه يحب الخطاة والعشارين، لكن هذه الكلمة أصبحت إنجيلاً وأصبحنا نحن نفخر بهذا الحب الذي هو أعظم بُشرى يمكن أن توجّه إلى البشر جميعاً... فهناك غفران.
عجيب في رقته
كان يسوع عجيب في حفاظه على مشاعر الناس. وكل من يقرأ الأناجيل يُذهل فعلاً لأن المسيح كان في غاية الحرص على مشاعر الآخرين، خاصة الذين يجهلون الإعلان الإلهي. ونحتاج نحن أن نحرص على مشاعر غيرنا سواء مع أهل بيتنا أو الغرباء خارج البيت، مع المؤمنين ومع الذين لم يؤمنوا بعد.
ونلاحظ أن الإنجيل لم يذكر اسم المرأة الخاطئة التي وردت قصتها في يوحنا 8 "لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا". وقد تعلم بولس الرسول هذا الدرس الجميل من سيده، فكتب في قرب نهاية حياته يقول:
"الجميع تركوني، لا يُحسب عليهم. ولكن الرب وقف معي وقوّاني" (2تيموثاوس 16:4).
عجيب في إرشاده
كم من المرات احتجنا إلى مرشد حينما نقف في مفترق الطرق؟ والمسيح هو المشير الذي يقدم المشورة، ويعطي النصيحة... إنه أضمن من يقدّم لنا نصيحة مخلصة، لأنه يحبنا. والحب دوماً يجعل الإنسان يعطي أفضل ما عنده لغيره.
وقد يحبنا إنسان ويقدم إلينا النصح، لكن قد تعوزه الحكمة، فيقدم لنا نصحاً لا ينفعنا، لكن يسوع المحب العجيب هو أيضاً حكيم، فنصيحة محبته عامرة بالحكمة لأن كل شيء عريان ومكشوف له.
عجيب هو المسيح حقاً،
ولقد تمت في شخصه القدوس النبوات:
"ويُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام"
(إشعياء 6:9).