في أحد الأيام وأنا أستعد للصوم الكبير وفي مخدعي أطلب من الله من كل قلبي أن يبدأ معي صوماً روحانياً.. فيه أجاهد ضد ضعفاتي وأتغلب عليها وأتخلص منها.. وأقترب إلي الله الأبرع جمالاً من بني البشر... أتمتع بالعِشرّة معه.
فشعرت بنور الله يُشرق في داخلي، وكأنه استجاب لطلبي وأرسل لي كارت الفيزا للدخول إلي جزيرة الكنز المليئة بكل الخيرات والنِعم، ومدة هذه الفيزا 55 يوم.
فقمت وأعددت نفسي للرحيل. وكُنت علي ظهر السفينة الراحلة لهذه الجزيرة في الميعاد. سارت السفينة في هدوء وبدأت أتمتع بمنظر البحر الجميل.. وجلست اتأمل منظر الشمس المشرقة بضيائها الذهبي وأشعتها اللامعة علي سطح البحر المتموج.
كنت اتأمل في قوة الخالق الذي يحرك هذه الشمس الجبارة، التي تضيء لكل العالم حولها والبحر خاضع له في فرح كأنه الإنسان الخاضع لإلهه، ليتمتع بنوره.. بل تتلون مياة البحر بضوء الشمس، مثل الإنسان الروحي الذي هو صورة الله.
مرّت الساعات جميلة... ووجدت من يأتي ليخبرني بأنه سيكون رفيقي في هذه الرحلة... وإن الله أرسله ليرافقني في الطريق فيعرفني بمعالم هذه الجزيرة.. ويخبرني عن خيراتها. وكان هذا الرفيق هو أبي ومعلمي العظيم في العارفين ماراسحق السرياني.
بدأ حديثه معي بقولاً رائعاً عن الصوم وفائدته، فألهب قلبي بمحبته وقال لي:
الصوم هو بدء طريق الله المقدس.. هو تقويم كل الفضائل...
بداية المعركة... جمال البتولية... حفظ العفة... أبو الصلاة
نبع الهدوء... معلّم السكوت... بشير الخيرات
الصوم هو بدء طريق الله المقدس:
فقاطعته متسائلاً كيف يا أبي يكون الصوم هو بدء الطريق، وقد علّمنا قداسة البابا شنودة الثالث إن حياة التوبة هي بدء العلاقة مع الله؟
حياة التوبة هي بداية الطريق الروحي... لأنها انتقال من مقاومة الله ومعاداته إلي السير في طريقه.
نعم إن حياة التوبة هي بدء العلاقة مع الله.. لأنها تغير الإتجاه وتغير الطريق... لكن الصوم هو أول خطوة في الطريق. فجهاد الصوم يتقدم كل الجهادات الأخري في الحياة الروحية، لأنه هو الذي يمهد لها الطريق.
وعلّق ماراسحق يقولاً آخر وقال:
كل جهاد ضد الخطية وشهواتها يجب أن يبتدئ بالصوم،
خصوصاً إذا كان الجهاد بسبب خطية داخلية.
فكما رأينا الصوم هو بداية الطريق الروحي... وبداية الإنتصار علي الخطية... وبداية السير في الطريق.